samedi 24 mars 2012

ملخص العنف

العنف

يمكن القول بأن العنف هو “اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق”. وهو يتخذ أشكالا متعددة ومتداخلة في حياة الإنسان. كما يرتبط مفهوم العنف بمجموعة من المفاهيم الأخرى كالقوة والعدوانية والسلطة والحق والقانون، كما يطال مجالات متعددة؛ اقتصادية وسياسية وثقافية. مما يجعله يثير العديد من الإشكالات المتعلقة بمنشئه ومظاهره ووسائله، ومدى ضرورته ومشروعيته من وجهة نظر القانون والأخلاق.

المحور الأول: أشكال العنف.

إن العنف واقعة أساسية في تاريخ المجتمعات البشرية، وهو يعتمد على تقنيات ووسائل مختلفة، كما يتخذ أشكالا متعددة.
من هنا يمكن صياغة إشكال هذا المحور من خلال التساؤلات التالية: ما هي طبيعة العنف؟ وما هي أشكاله ومظاهره؟ وهل ينحصر العنف في مظاهره المثيرة كالحروب أم أنه قد يوجد على نحو خفي وكامن؟

1- موقف ميشو: تكنولوجيا العنف المادي وأشكاله.

يمكن الحديث مع إيف ميشو YVES MICHAUD عن أشكال مختلفة من العنف المادي التي ميزت المجتمعات البشرية في القرن العشرين؛ كالحروب والإبادات والاضطهاد ومعسكرات الاعتقال والإجرام وغير ذلك. وقد ساهمت التكنولوجيا في تطوير وسائل العنف المادي؛ حيث عملت التجارة الدولية للأسلحة على نشر وسائل العنف وجعله أكثر تخريبا وفتكا، وفي متناول كل الأفراد والجماعات. كما ساهم التقدم التقني في تطوير الآلات والأسلحة المستخدمة في العنف، مما جعل هذا الأخير مختلفا عما كان عليه في السابق، سواء من الناحية الكمية أو من الناحية الكيفية والنوعية.
ويشير ميشو أيضا إلى ارتباط العنف المادي بوسائل الإعلام التي أدت إلى انتشاره والإخبار عنه.
وإذا كان الطابع المادي للعنف يجعله ملموسا وظاهرا للعيان، فإنه يمكن الحديث مع بيير بورديو عن شكل آخر للعنف أكثر خفاء ولطفا.

2- موقف بيير بورديو: طبيعة العنف الرمزي ووسائله.

يتحدث بيير بورديو عن العنف الرمزي الذي هو عنف غير فيزيائي، يتم أساسا عبر وسائل التربية وتلقين المعرفة والإيديولوجيا، وهو شكل لطيف وغير محسوس من العنف، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياهم أنفسهم. وينتقد بورديو الفكر الماركسي الذي لم يولي اهتماما كبيرا للأشكال المختلفة للعنف الرمزي، مهتما أكثرا بأشكال العنف المادي والاقتصادي. كما أشار بورديو إلى أن العنف الرمزي يمارس تأثيره حتى في المجال الاقتصادي نفسه، كما أنه فعال ويحقق نتائج أكثر من تلك التي يمكن أن يحققها العنف المادي أو البوليسي.
إن العنف الرمزي يمارس على الفاعلين الاجتماعيين بموافقتهم وتواطئهم. ولذلك فهم غالبا ما لا يعترفون به كعنف؛ بحيث أنهم يستدمجونه كبديهيات أو مسلمات من خلال وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية وأشكال التواصل داخل المجتمع. ومن هذه الزاوية يمكن، حسب بورديو فهم الأساس الحقيقي الذي تستند إليه السلطة السياسية في بسط سيطرتها وهيمنتها؛ فهي تستغل بذكاء التقنيات والآليات التي يمرر من خلالها العنف الرمزي، والتي تسهل عليها تحقيق أهدافها بأقل تكلفة وبفعالية أكثر، خصوصا وأن هناك توافقا بين البنيات الموضوعية السائدة على أرض الواقع وبين البنيات الذهنية الحاصلة على مستوى الفكر.
هكذا يتبين أن العنف يتخذ شكلين رئيسيين؛ الأول هو العنف المادي الذي حدثنا إيف ميشو عن مظاهره المختلفة، والثاني هو العنف الرمزي الذي بين بورديو بعض وسائله ومدى فعاليته في تثبيت دعائم الدولة والسلطة السياسية. من هنا يبدو أنه من المستحيل الحديث عن مجتمعات إنسانية خالية من العنف؛ فهو ظاهرة أكيدة في تاريخ المجتمعات البشرية.

المحور الثاني: العنف في التاريخ.

وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يفسر ظاهرة العنف في التاريخ؟ أو بتعبير آخر؛ كيف يتولد العنف في التاريخ البشري؟ وما الذي دفع الإنسان لممارسته؟

هكذا فالإشكال يتعلق بأسباب تواجد العنف في تاريخ الإنسان. وهو إشكال يمكن مقاربته انطلاقا من زاويتين متمايزتين، إحداهما سوسيواقتصادية يتبناها ماركس، والأخرى تحليلنفسية يقول بها فرويد.

1-موقف ماركس: الصراع الطبقي كمولد لظاهرة العنف في التاريخ.

بين ماركس أن ظاهرة العنف في التاريخ ناتجة عن الصراع الطبقي الذي هو المحرك الأول لعجلة التاريخ؛ والذي عرف دوما حروبا لا تتوقف بين فئة مستغلة ومضطهدة من جهة، وفئة مستغلة ومضطهدة من جهة أخرى. وهذه الحروب والصراعات هي التي تولد أشكال العنف المختلفة، والتي يكون لها أثر فعال على مستوى تغيير أشكال الحياة الاجتماعية.
ومن خلال استقرائه للتاريخ، بين ماركس أن المجتمع كان مقسما إلى طبقات تعيش أوضاعا وشروطا اجتماعية مختلفة؛ بحيث نجد في المجتمع الروماني القديم طبقتين متمايزتين؛ هما السادة والفرسان من جهة والأقنان والعبيد من جهة أخرى. كما نجد في القرون الوسطى السادة والشرفاء من جهة، والأقنان والحرفيون العاديون من جهة أخرى. وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث، عصر سيادة البورجوازية (الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج)، فإننا نجد أن الصراع لم ينته بعد؛ إذ أصبح المجتمع منقسما إلى معسكرين متعاديين، أي إلى طبقتين متعارضتين تعارضا كليا هما البورجوازية والبروليتاريا. وهذا الصراع الاقتصادي والاجتماعي في جوهره هو الذي يولد أشكالا مختلفة من العنف والاستلاب والاستغلال الذي تمارسه الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج المادي على الطبقة الشغيلة. وقد يتخذ هذا الصراع طابعا فرديا لا يعيه الفرد ذاته، كما قد يتخذ طابع صراع نقابي أو سياسي أو إيديولوجي واضح.

2-موقف فرويد: الطبيعة العدوانية للإنسان هي التي تولد العنف في التاريخ.

ويمكن تقديم تحليل آخر لظاهرة العنف في التاريخ، هو ذلك الذي يقوم بهفرويد حيث يربط العنف بطبيعة الجهاز النفسي للإنسان، حيث نجد “الهو” كنسق أصلي في هذا الجهاز يميل إلى تحقيق دوافعه الغريزية، والتي تستهدف تحقيق اللذة والمصلحة الذاتية بشتى الوسائل بما فيها تلك التي تعتمد على العنف. هكذا يعتبر فرويد أن الإنسان كائن عدواني وشرس بطبعه؛ فهو كائن تندرج العدوانية لديه بالضرورة ضمن معطياته الغريزية. ولذلك فلإنسان ينزع إلى تلبية حاجاته العدوانية على حساب الآخر، وإلى استغلاله وإهانته وإنزال الآلام به واضطهاده وقتله.
ولذلك لا يمكن سوى قمع العنف وكبح جماحه دون التمكن من القضاء عليه، ما دام يعاود الظهور حينما يتم إلغاء الزجر في فترات الحرب، التي تنزع عن الإنسان قناع الوحش المفترس الذي لا يقيم أي اعتبار لبني جنسه.
هكذا يرى فرويد أن هذه العدوانية المتجذرة في الإنسان هي الذي تولد أشكال العنف المختلفة في التاريخ، وتهدد العلاقات القائمة بين الناس داخل المجتمع. فالمبدأ العام عند فرويد هو أن الصراع بين الناس تتم تسويته بواسطة العنف.
. وقد عرف مسار العنف تطورا في تاريخ البشرية؛ حيث تم الانتقال من العنف العضلي إلى العنف الذي يستخدم الأدوات، ثم إلى عنف عقلي سيشكل قوى موحدة ضد عنف الأقوى. من هنا فقد تم كسر شوكة عنف الأقوى عن طريق اتحاد مجموعة من القوى الضعيفة، التي ستتخذ القانون والحق كقوة تستخدمها الجماعة لتحقيق أغراضها. فالعنف إذن لم يختفي نهائيا، وإنما تم تعزيزه بواسطة العقل وأصبح يمارس باسم القانون.
وهذا ما سيطرح مسألة مشروعية العنف من زوايا القانون والحق والأخلاق.

المحور الثالث: العنف والمشروعية.

يبدو أن العنف هو ممارسة القوة ضد الآخر. لكن ما يلاحظ هو أن هذه الممارسة قد تتم باسم الحق والقانون. من هنا يتم التساؤل: هل من مبررات معقولة تجعل ممارسة عنفا ما مشروعا؟ وهل يمكن الإقرار بمشروعية العنف من زاوية الحق والقانون والعدالة؟

1- موقف ماكس فيبر: إعطاء مشروعية قانونية لممارسة العنف.

يتحدث ماكس فيبر عن مشروعية العنف المادي الممارس من طرف الدولة، وعن حقها في احتكار هذا النوع من العنف، مستشهدا بتروتسكي الذي يرى “أن كل دولة هي جهاز مؤسس على العنف”. فالدولة هي التجمع السياسي الذي يحتكر العنف المادي الذي تعطى له الشرعية القانونية، المتمثلة أساسا في المحافظة على النظام الداخلي من جهة، والدفاع عن المجتمع ضد الأخطار الخارجية من جهة أخرى. هكذا يرى فيبر أن جوهر السلطة هو ممارسة العنف، وأن هذا الأخير هو الوسيلة المميزة لها، وأن بينها وبينه علاقة وطيدة وحميمية؛ ذلك أن ما سيبقى في حالة اختفاء العنف من ممارسة الدولة هو الفوضى وضياع مصالح الناس.
وإذا كان العنف هو الوسيلة العادية التي استخدمت من طرف السلطة لدى الجماعات السياسية المختلفة، فإن الدولة المعاصرة هي الوحيدة التي تحتكر العنف المادي المشروع، بحيث لا تسمح لأي فرد أو جماعة ما بممارسته إلا بتفويض منها. وإذا كان للدولة الحق في استعمال العنف، فلأنها في جوهرها، شأن أي تجمع سياسي سابق، ترتكز على علاقة السيطرة والسيادة التي يمارسها الإنسان على الإنسان.
لكن ألا يمكن أن يكون العنف الممارس من قبل الدولة عنفا شرعيا بالنظر إلى القوانين الموضوعة فقط ، والتي قد لا تكون في أساسها مشروعة ومطابقة لما هو حق وعادل؟ وبمعنى آخر؛ ألا يمكن أن يكون تبرير العنف نابع من رغبة القوي في الهيمنة على الضعيف وتحقيق مصالحه على حسابه؟ ثم ألا يمكن قيام حياة خالية من العنف ورافضة له؟ ألا يمكن رفض العنف مبدئيا وبصفة مطلقة؟
هذه التساؤلات تقودنا إلى موقف الزعيم الهندي الرافض للعنف.

2- موقف غانديالعنف رذيلة وتعبير عن الحقد، وبالتالي فلا مشروعية له.

يتبنى غاندي موقف اللاعنف باعتباره يمثل ذلك الحب أو الإرادة الطيبة تجاه كل الناس. ولذلك فهو يرفض السلوك العنيف لأن وراءه نية من أجل إلحاق الأذى والألم بالآخر، كما أنه تعبير عن نشيد الحقد الذي تعبت الإنسانية من عواقبه الوخيمة. هكذا يدعو غاندي إلى تعميم الصداقة بين كل الناس، ومكافحة العنف والشر بسلاح الذهن والفكر الأخلاقي، وهو ما يقتضي مواجهة العنف بمقاومة روحية تمكن من خلق خيبة أمل لدى الممارس للعنف بأن لا أواجهه بسلاحه من جهة، وتمكن من الرفع من مستواه الإنساني والأخلاقي بأن يصبح هو الآخر رافضا للعنف من جهة أخرى.
انطلاقا من كل هذا فاللاعنف عند غاندي يستمد قوته من الروح؛ إذ يعتبر عقيدة روحية وأخلاقية قبل أن يصبح ممارسة جسدية وسلوكية. وهذا أمر يقتضي رفض العنف رفضا نهائيا ومبدئيا واعتباره رذيلة في ذاته، وأنه القانون الذي يحكم عالم الحيوانات، بينما اللاعنف هو القانون الذي يحكم العالم الإنساني.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire