dimanche 25 mars 2012

الموضوع الإنشائي الفائز بالمرتبة 1 في مسابقة حجاج الوطنية، صيغة النص

أهلا بكل الأحبة
إليكم الآن الموضوع الفائز بالمرتبة الأولى في صيغة النص.
وهو للتلميذة سارة الواعي، الثانية علوم فيزيائية،الثانوية التأهيلية الأمير مولاي رشيد، مشرع بلقصيري.
النص:
« يمتلك الرأي ما لا يمكن للمعرفة أن تصله لكي تعوضه. إنه يزيل بشكل خادع الهوة بين الذات العارفة وبين الواقع الذي ينفلت منها … لذلك، لا تكفي المعرفة ولا الممارسة التي تستهدف التحول الاجتماعي لأن توضح غياب معنى الآراء التافهة، والتي تحمل الإنسان على الانصياع لدراسات علم الطباع، ولتكهنات علم التنجيم المعيارية والمربحة تجاريا، من خلال ربطها من جديد بصور أبراج زودياك. لا يشعر الإنسان بنفسه على أنه من برج الثور أو برج العذراء لأنه غبي لدرجة الإذعان لما توعز به الجرائد، والتي توحي بأنه من العادي أن يعني ذلك شيئا، ولكن، ولأن هذه الصور والإرشادات البليدة هي من أجل فن العيش، فإنها تقتصر على النصح بما يجب أن يفعله على كل حال، وتسهل له – ولو كان ذلك بشكل ظاهري فقط – الاختيارات التي يجب القيام بها، وتخفف عنه مؤقتا شعوره بأنه غريب عن الحياة، بل غريب عن حياته الخاصة. إن قوة المقاومة التي يتمتع بها الرأي، تفهم من خلال وظيفته النفسية. فالرأي يمنح تفاسير بفضلها يمكن تنظيم الواقع المتناقض دون جعله متناقضا، ودون بذل مجهودات كبيرة. وينضاف إلى هذا، الرضا النرجسي الذي يمنحه إمكانية توظيفه في أي مكان، من خلال تعزيز الشعور لدى مؤيديه بأنهم كانوا دائما يعرفون مراميه، وبأنهم – تبعا لذلك – جزء من أولائك الذين يعرفون. »
حلل النص وناقشه
إجابة التلميذة:
الرأي هو إنطباع شخصي يكونه الفرد بناء على إدراكه الحسي المباشر ومن ثم فهو يعكس تجربة العامة والمشتركة بين الناس، ولذلك فهو ناتج عن تفكير أو تأمل عقلي ما يكون صحيحا  أو خاطئا. وهذا يعني أنه إذا كان صحيحا في بعض الأحيان يمكننا أن نبني عليه حقيقة ما تكون مفيدة لنا في الحياة. و من هنا يمكننا طرح التساؤلات الآتية: هل الرأي فعلا يحتل مكانة تعلو عن المعرفة ؟ وهل يمكن الدفاع عن الرأي باعتباره نمطا من أنماط الحقيقة ؟ وما هي طبيعة قوة المقاومة التي يتمتع بها الرأي في إنتاج المعرفة ؟
يشير صاحب النص في بدايته إلى أهمية الرأي و يجعله ذا مكانة مهمة عن المعرفة باعتبارها عاجزة أمامه، مع مساهمة الرأي في إزالة الفوارق التي تواجه الذات العارفة في فهم الواقع الذي تعجز عن فهمه. وكل هذا بشكل وهمي، بحيث لا تكفي لا المعرفة ولا الممارسة لأن تجد معنى للآراء التافهة التي بدورها تؤثر على الإنسان، وتدفعه ليبحث عن معانيها بشتى الوسائل والسبل. وجاء صاحب النص بمثال حي على ذلك، وهو خضوع الإنسان لدراسة علم الطباع أو بالأحرى التقلبات النفسية التي يعيشها الفرد، أو التأملات التي يمارسها شخص ما ويبني عليها معتقدات وآراء معيارية وقياسية فقط ولا علاقة لها بالواقع، أو ربما يحاول ربطها بصور أبراج زودياك، وذلك فقط لكي يغري الآخرين بآرائه؛ فمثلا عندما يعتقد إنسان ما أنه من برج الثور أو برج العذراء فإنه ينصاع لكل ما يعرض عنها في الجرائد أو المجلات أو القنوات الفضائية. ومع كل هذا فإن صاحب النص قدم استثناء مغزاه أن تلك الصور والآراء التافهة هي عبارة عن وسيلة تبين للفرد كيفية تعامله مع الواقع والتعايش معه، وربماتحمل في طياتها نوعا من النصح أو التخفيف من شعور الشخص بالغرابة. وقد أكد صاحب النص في فقرته الأخيرة على قوة  المقاومة التي يتمتع بها الرأي، مبرزا بذلك الوظيفة النفسية التي تلعبها الآراء في زرع الطمأنينة والأمل في الذات البشرية وتحريك سلوكها في الحياة. كما فسر لنا كيف أن الرأي قد  يساعد على تنظيم الواقع المبعثر والمختلف، وذلك دون بدل أي مجهود. فصاحب النص يمنح للرأي دورا مهما في التأثير على الشخص، مع إضافته  مثالا يتعلق ” بالرضا النرجسي ” الذي يؤدي بالشخص إلى التشدد للآراء والتعصب لها وتوظيفها حسب إراته، ويشعر بالافتخار عندما يجد من يقيم آرائه ويدافع عنها أو من يبني عليها معرفة ما.
لكن هل الرأي فعلا حسب صاحب النص يعلو على مكانة  المعرفة ؟ وهل يمكن الدفاع عنه باعتباره نمطا من أنماط الحقيقة ؟ وأخيرا هل يمكن أن نبني عليه معرفة ما ؟
هنا نجد أنفسنا بصدد مناقشة أطروحة صاحب النص بتبيان مدى تماسكها داخليا أولا ثم بمقارنتها بأطروحات مؤيدة ومعارضة ثانيا . والواقع أن حديث مؤلف النص عن الرأي من جهة وإعطائه مكانة تسمو عن المعرفة من جهة أخرى هو في الحقيقة أمر قابل للاعتراض عليه من عدة أوجه، ولعل أهمها هو أن الرأي عبارة عن تأمل عقلي فقط ، وتختلف طريقة التأمل  من شخص إلى أخرى حيث أنه يمكن لأشخاص أن يصدروا آراء لا معنى لها و هي معيارية فقط . و بذلك تبنى عليها الكثير من الآراء والمعتقدات السائدة، فمثلا نجد الكثير من الناس يسمعون كلمة ” عيشة قنديشة ” أو ” بعو” يرددون قائلين بسم الله الرحمان الرحيم، وهذا ما يبين مدى تمسكهم بهاته الآراء التافهة وفي الحقيقة لا معنى لها .
وإن مثل هذه الاعتقادات تقودنا إلى تقديم المواقف الفلسفية التي تعرض لنا وجهات نظر مختلفة لتلك التي وردت في النص. لكن قبل ذلك نعرض أولا لبعض المواقف التي تتقاطع مع ما جاء في النص ولعل أبرزها  موقف ليبنيتس وموقف فتجنشتين .
فبالنسبة للفيلسوف الألماني  ليبنيتس فهو يعتبر أن الرأي يلعب دورا مهما في تطوير المعرفة البشرية. وحسب قوله ” أن الرأي القائم على الاحتمال قد يستحق اسم المعرفة وإلا سوف يتم إسقاط كل معرفة تاريخية وغيرها من المعارف “. وهكذا يدافع ليبنيتس على الرأي القائم على الاحتمال ويعتبره معرفة يمكن الاعتماد عليها، فليس كل المعارف تمتلك  اليقين المطلق بل أغلبها يقوم على الاحتمال. والدليل القوي الذي يدعم به ليبنيتس موقفه هي تلك الآراء العلمية التي قدمها كوبرنيك،فرغم كونها مجرد احتمالات في حين إلا أنها شكلت فيما بعد ثورة علمية حقيقية في مجال العلوم، وهنا نجد أن ليبنيتس يلتقي مع صاحب النص الذي يعتبر هو الآخر أن للرأي مكانة مهمة في إنتاج المعرفة .
وفي نفس السياق نجد موقف الفيلسوف فتجنستين الذي يؤمن بأن هناك آراء تكتسي صبغة الحقيقة. ويدافع على حجته على أن هناك آراء واعتقادات نؤمن بها دون أن نبرهن عليها عن طريق الاستدلال أو التجارب العلمية، بل هي حقائق ترسخت لدينا كمعارف في اللغة التي نتعامل بها ونحن صغار. وبهذا فإن الفيسوف فتجنشتين يدافع عن فكرة صاحب النص ويعززها ويضيف عليها بعض الأشياء. ونستنج من ذلك أن كلا الموقفين يشتركان في أمر هو أنهما يقيمان الفكرة السابقة التي تلتقي في التأكيد على المكانة التي يحملها الرأي وإعادة الاعتبار له بعدما ما تم تبخيسه. فهل يمكن تقديم مواقف فلسفية تقول بخلاف ذلك؟
يمكننا أن نقدم هنا موقف أفلاطون الذي يرى أنه ينبغي تجاوز الرأي للوصوإلى الحقيقية. وهو بفكرته هذه يخالف أطروحة النص، ويقول أنه ينبغي الارتفاع إلى عالم المثل من أجل إدراك  الحقائق اليقينية والمطلقة. أما الحواس حسب أفلاطون فلا تمدنا سوى بالظلال أو الأوهام، والتي هي مجرد أشباه حقائق أو آراء ظنية صادرة عن عامة الناس .
وفي نفس السياق نجد موقف الفيلسوف باشلار الذي يقول لصاحب النص أن الرأي يعتبر عائقا أمام الوصول إلى الحقيقة، إذ لا يمكننا حسب باشلار أن نبني حقيقة ما على الرأي. فللوصول إلى الحقيقة العلمية يجب التخلي عن الرأي الذي هو دائما على خطأ، ويفكر تفكيرا سيئا.
هكذا نخلص في الأخير إلى أن هناك من الفلاسفة من تحدثوا على أهمية الرأي في الحياة اليومية للناس وفي تأثيره النفسي في ذواتهم وسلوكاتهم، إلا أن هناك فلاسفة استبعدوا الرأي واعتبروه عائقا يمنعنا من الوصول إلى الحقيقة. ويبدو أن أهمية الرأي ومكانته تختلف حسب المجالات المعرفية التي نتواجد فيها، كما يوجد تداخل بينه وبين الحقيقة ويصعب الفصل بينهما. فما هو المعيار الذي من شأنه أن يجعلنا نتعرف على الحقيقة ونميزها عن الخطأ والباطل والوهم ؟

خارطة طريق لمجزوءة السياسة

خارطة طريق لمجزوءة السياسة  


تقديم:

          تقال السياسة على تدبير المعاش، بإصلاح أحوال جماعة مخصوصة على سنن العدل والاستقامة ( المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، مكتبة مدبولي، د.عبد المنعم الحفني ). فالسياسة هي تجسيد لممارسة عليا تتم بين أفراد النوع البشري، ففيها يتم الانتقال من الاجتماع المؤقت والتلقائي إلى الاجتماع الدائم المتمثل في إقامة الدولة على مبادىء التعاقد الاجتماعي الذي يتنازل الأفراد بموجبه عن جزء من حرياتهم الفردية ليمتثلوا لسلطة الدولة من حيث أنها تمثل المجتمع عبر الأساليب الديمقراطية والانتخاب الحر.
فالسياسة إذن هي ممارسة للسلطة داخل المدينة أو الدولة، وبواسطتها يتم تثبيت القانون من خلال قوة عمومية تتجسد في مجموعة من الأجهزة والمؤسسات. هكذا يحيل مفهوم السياسة على مجموعة من المفاهيم المرتبطة به، مثل: الدولة، السلطة السياسية، الحق، القانون، العدالة…
وقد اعتبر أرسطو أن الإنسان حيوان سياسي بطبعه، وأن “الأمر الذي يميز الإنسان بشكل خاص هو كونه يدرك الخير والشر، والأمر العادل والجائر، وكل العواطف الشبيهة بذلك، والتي يكون التواصل بها مؤسسا للأسرة وللدولة” (أرسطو، السياسة، عن الكتاب المدرسي، مباهج الفلسفة، السنة الأولى باكلوريا، ص64 ).فالممارسة السياسية إذن تشكل أهم الممارسات البشرية، وهي التي تجعل الوجود الاجتماعي منظما وقائما على مبادىء عقلية قانونية وأخلاقية.                   ولهذا لا يتحدد مجال النظر السياسي بمفهوم الدولة فقط ، وإنما بمفاهيم أخرى مرتبطة بها كالحق والعدالة والعنف.
فالدولة ترتكز على قوانين تتوخى إحقاق الحق والإنصاف والعدالة والمساواة وتهذيب السلوك البشري. غير أن الناس مع ذلك، وتبعا لمصالح محددة، يلتجئون إلى ممارسة العنف على بعضهم البعض، مما قد يضطر الدولة إلى التدخل بقوانينها وأجهزتها القضائية إلى إحقاق الحق وتثبيت العدالة.
 - فما الدولة؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟ وما الغاية منها؟ وكيف تمارس سلطتها السياسية؟
 - ما العنف؟ ما هي أشكاله ومظاهره؟ وما هو دور العنف في التاريخ؟ وهل يمكن الإقرار بمشروعية العنف؟
 - ما الحق؟ ما العدالة؟ وكيف تتحدد العلاقة بينهما؟  

  الدولة

تعتبر الدولة تنظيما سياسيا يكفل حماية القانون وتأمين النظام لجماعة من الناس تعيش على أرض معينة بصفة دائمة، وتجمع بين أفرادها روابط تاريخية وجغرافية وثقافية مشتركة. ولذلك لا يمكن الحديث عن الدولة في مجال ترابي معين إلا إذا كانت السلطة فيها مؤسساتية وقانونية، وأيضا مستمرة ودائمة لا تحتمل الفراغ.
كما يقترن اسم الدولة بمجموع الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع. هكذا تمارس الدولة سلطتها بالاستناد إلى مجموعة من القوانين والتشريعات السياسية التي تروم تحقيق الأمن والحرية والتعايش السلمي.
  وهذا ما يجعلنا نتساءل عن المشروعية التي تتأسس عليها الدولة من جهة، وعن الغاية من وجودها من جهة أخرى؟
 كما تدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة ممارسة الدولة لسلطتها السياسية؟ وعن مدى مشروعية الدولة في استخدام العنف؟

المحور الأول:    مشروعية الدولة وغاياتها

      فيما يخص مفهوم المشروعية، ينبغي التمييز بين ما هو مشروعlégitime)) يستهدف إحلال العدل والحق، ومن ثمة فهو يشير إلى ما ينبغي أن يكون. أما ما هو شرعي (légal) فيعني ما هو عادل بالنظر إلى النصوص المتواضع عليها، ومن ثمة فهو يشير إلى ما هو واقعي وفعلي.
  أما مفهوم الغاية فيدل على “ما لأجله إقدام الفاعل على فعله، وهي ثابتة لكل فاعل فعل بالقصد والاختيار، فلا توجد الغاية في الأفعال غير الاختيارية.”(المعجم الشامل…مرجع سابق)
فما الغاية من وجود الدولة إذن؟ ومن يختار لها هذه الغاية؟ ووفق أية اسس ومنطلقات؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟
 لقد قطع فلاسفة التعاقد الاجتماعي مع التصور الديني للدولة، ولذلك فمشروعية الدولة عندهم تستمد من الالتزام بمبادىء التعاقد المبرم بين الأفراد. وغايتها هي تحقيق المصلحة العامة المتمثلة حسب اسبينوزا في صيانة حقوق الأفراد ككائنات عاقلة، أو المتمثلة حسب هوبز في تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي.
وقد انتقد هيجل هذا التصور التعاقدي الذي يعتبر أن للدولة غاية خارجية مثل السلم أو الحرية أو الملكية، ورأى أن غاية الدولة لا تكمن في أية غاية خارجية، وإنما تتمثل في غاية باطنية؛ فالدولة غاية في ذاتها من حيث إنها تمثل روح وإرادة ووعي أمة من الأمم، وتعتبر تجسيدا للعقل المطلق.
وقد بين فيما بعد ماكس فيبر بأن هناك أنواع متعددة من المشروعية عبر التاريخ؛ مشروعية الحكم اعتمادا على التراث وحماية الماضي واستلهام الأجداد، والمشروعية المرتبطة بشخص ملهم يمثل سلطة دينية وأخلاقية أو إيديولوجية ويحكم باسمها. والمشروعية المؤسسية المستمدة من التمثيلية الانتخابية ومرجعية القانون والمؤسسات وتوزيع السلط.
فكيف تمارس الدولة سلطتها السياسية؟

المحور الثاني:     طبيعة السلطة السياسية

 حينما يتم التساؤل عن طبيعة السلطة السياسية‘ فإن الأمر يتطلب بالضرورة الحديث عن علاقة الدولة بالمواطنين، أو علاقة الحاكم بالمحكومين. فإذن ما هي طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين رجل السياسة من جهة، ومن يمارس عليهم سلطته السياسية من جهة أخرى؟ وبتعبير آخر؛ ما هي الخصائص التي يجب أن تميز الممارسة السياسية للأمير أو السلطان مع شعبه أو رعيته؟
 هنا يمكن تقديم موقفين متعارضين؛ موقف ماكيافيلي وموقف ابن خلدون.

1-    موقف ماكيافيليالسياسة صراع وقوة وخداع

بين ماكيافيلي أن هناك أمراء في عصره أصبحوا عظماء دون أن يلتزموا بالمبادئ الأخلاقية السامية، كالمحافظة على العهود مثلا، بل قد استخدموا كل وسائل القوة والخداع للسيطرة على الناس والتغلب على خصومهم.
هكذا دعا ماكيافيلي إلى ضرورة استخدام الأمير لطريقتين من أجل تثبيت سلطته السياسية؛ الأولى تعتمد القوانين، بحيث يستعملها بحكمة ومكر ودهاء، وبشكل يمكن من تحقيق مصلحة الدولة، أما الثانية فتعتمد على القوة والبطش، ولكن في الوقت المناسب. من هنا يجب على الأمير أن يكون أسدا قويا لكي يرهب الذئاب، وأن يكون ثعلبا ماكرا لكي لا يقع في الفخاخ.
إن الغاية عند ماكيافيلي تبرر الوسيلة. وما دام أن الناس ليسوا أخيارا في الواقع، فلا يلزم أن ينضبط الأمير للمبادئ الأخلاقية في تعامله معهم، بل لا بد أن تكون له القدرة الكافية على التمويه والخداع، وسيجد من الناس من ينخدع بسهولة.
هكذا يتبين أن السياسة، مع ماكيافيلي، تنبني على القوة والمكر والخداع. وهذا ما سيرفضه مجموعة من المفكرين، ومن بينهم ابن خلدون.
         
2-   موقف ابن خلدونالسياسة رفق واعتدال.

 إن علاقة السلطان بالرعية حسب ابن خلدون هي علاقة ملك بمملوكين. ولذلك يجب أن يتأسس هذا الملك على الجودة والصلاح. من هنا يجب أن يحقق السلطان لرعيته كل ما هو صالح لهم، وأن يتجنب كل ما من شأنه أن يلحق بهم السوء والضرر.
ولذلك وجب أن تكون العلاقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق والاعتدال في التعامل. فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلاقهم، بحيث يعاملونه بالكذب والمكر والخذلان، أما إذا كان رفيقا بهم ، فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة والاحترام، ويكونون عونا له أوقات الحروب والمحن.
انطلاقا من هذا حدد ابن خلدون خصلتين رئيسيتين يجب أن يتصف بهما رجل السياسة، وهما الرفق والاعتدال. ولذلك عليه مثلا أن يتصف بالكرم والشجاعة كصفتين يتوفر فيهما الاعتدال المطلوب بين التبذير والبخل من جهة، وبين التهور والجبن من جهة أخرى.         
← هكذا إذا كان ماكيافيلي يحدد طبيعة السلطة السياسية في القوة والمكر والصراع، واستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مصلحة الدولة، فإن ابن خلدون يحدد طبيعتها في التشبث بمكارم الأخلاق المتمثلة أساسا في الرفق والاعتدال.
وهذا ما سيقود إلى إثارة إشكالية الدولة بين الحق والعنف.

          المحورالثالث:  الدولة بين الحق والعنف.

حينما نتحدث عن الدولة بين الحق والعنف، فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات منظمة للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. فإذا انبنت هذه العلاقة على احترام المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس غير أخلاقية وغير قانونية، فإنها ستكون مؤسسة على القوة والعنف وهاضمة للحقوق والحريات الفردية والجماعية.
   فما المقصود بمفهومي الحق والعنف؟
يحدد المعجم الفلسفي لأندري لالاند الحق باعتباره “ما لا يحيد عن قاعدة أخلاقية، وما هو مشروع وقانوني في مقابل ما هو واقعي وفعلي”. كما يحدده كانط باعتباره يحيل إلى  “مجموع الشروط التي تسمح لحرية كل فرد بأن تنسجم مع حرية الآخرين”.
أما العنف فيمكن القول بأنه “اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق”. (المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،د.عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، الطبعة الثالثة،2000)
 هكذا يتبين أن الحق هو نقيض العنف؛ إذ أن الأول يمارس بإرادة الأفراد ويضمن لهم حرياتهم المشروعة، في حين أن الثاني يمارس ضد إرادتهم ويغتصبهم حرياتهم.
فإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن البحث عن مشروعية لممارسة الدولة العنف ضد الأفراد أوالجماعات؟ وهل العنف ضروري للدولة لكي تمارس سلطتها؟ ألا يتعارض العنف في هذه الحالة مع الحق والقانون؟
 لمعالجة هذا الإشكال يمكن توظيف أطروحة ماكيافيل الذي يرى بأنه لا يمكن للأمير أن يتحلى بكل الفضائل الإنسانية المحمودة، من أجل الحفاظ على سلطانه، بل عليه أن يلجأ إلى استعمال العنف والشر إذا اقتضت الضرورة ذلك، وما دامت الغاية تبرر الوسيلة، أو توظيف أطروحة ماكس فيبر الذي يعطي للدولة الحق في ممارسة العنف المادي، إذ هي وحدها تمتلك هذا الحق وتحتكره، فهو الوسيلة المميزة لها.
ويمكن معارضة هاتين الأطروحتين بأطروحة جاكلين روس التي تعتبر أن دولة الحق هي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، يخضع فيها الحق والقانون إلى مبدإ احترام الشخص البشري وضمان كرامته الإنسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف التي قد يتعرض لها. إن الفرد في دولة الحق هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها.


  العنف

  وهذا الإشكال المتعلق بمشروعية العنف هو الذي نجده في المحور الثالث من درس العنف. ولذلك يمكن معالجته انطلاقا من موقف ماكس فيبر الذي يتحدث عن مشروعية العنف المادي الممارس من طرف الدولة، وعن حقها في احتكار هذا النوع من العنف، مستشهدا بتروتسكي الذي يرى “أن كل دولة هي جهاز مؤسس على العنف”.
ويمكن معارضة ذلك بموقف غاندي الذي يرى أن العنف هو دوما عنف، وأنه رذيلة، وأن العنف هو القانون الذي يحكم النوع الحيواني بينما اللاعنف هو الذي يحكم النوع الإنساني. كما يمكن استثمار موقف إريك فايل الذي يرى أن الفلسفة هي رفض للعنف بصفة مطلقة، وان منطلقها وهدفها النهائي هو اللاعنف أي اختيار الخطاب العقلي المتماسك.    
 إن العنف واقعة أساسية في تاريخ المجتمعات البشرية، وهو يعتمد على تقنيات ووسائل مختلفة، كما يتخذ أشكالا متعددة.
 من هنا سيتم التساؤل في المحور الأول عن طبيعة العنف؟ وعن أشكاله ومظاهره المختلفة؟
وهنا يمكن الحديث مع إيف ميشو YVES MICHAUD عن أشكال مختلفة من العنف المادي التي ميزت المجتمعات البشرية في القرن العشرين؛ كالحروب والإبادات والاضطهاد ومعسكرات الاعتقال والإجرام وغير ذلك. وقد ساهمت التكنولوجيا في تطوير وسائل العنف المادي، كما ارتبط العنف بوسائل الإعلام التي أدت إلى انتشاره والإخبار عنه.
 غير أن بيير بورديو يتحدث عن شكل آخر من العنف، هو العنف الرمزي الذي هو شكل لطيف من العنف يمارس على فاعل اجتماعي ما بموافقته وتواطئه. يقول بورديو: “العنف الرمزي هو عبارة عن عنف لطيف وعذب، وغير محسوس، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياهم أنفسهم، وهو عنف يما3س عبر الطرق والوسائل الرمزية الخالصة، أي عبر التواصل وتلقين المعرفة”.  ( نص إضاءة لبورديو، مباهج الفلسفة، السنة الثانية باكلوريا، ص144)  
وبالرغم من ازدياد حدة العنف في المجتمعات المعاصرة، فإن العنف ظاهرة تاريخية لا تخلو منها أمة أو قبيلة أو دين؛ ” فالجماعة مستعدة دوما للعنف من أجل الدفاع عن حقيقتها المقدسة. الإنسان بحاجة إلى عنف…لكي يعيش ولكي يجد له معنى على الأرض”. (محمد أركون المرجع السابق، ص144)
  من هنا يمكن التساؤل في المحور الثاني عن دور العنف في التاريخ؛ فما هو دور العنف في التاريخ؟ وكيف يتولد العنف في تاريخ المجتمعات البشرية؟
  ويمكن أن نستثمر هنا موقف ماركس الذي يبين ظاهرة العنف من خلال الصراع الطبقي الذي هو المحرك الأول للتاريخ؛ ” فالمضطهدون والمضطهدون أقاموا بينهم حروبا لا تتوقف، معلنة أحيانا وخفية تارة أخرى”. ( ماركس، المرجع السابق، ص145) ففي عصر سيادة البورجوازية (الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج) أصبح المجتمع منقسما إلى معسكرين متعاديين، أي إلى طبقتين متعارضتين تعارضا كليا هما البورجوازية والبروليتاريا. والصراع الطبقي قد يتخذ طابعا فرديا لا يعيه الفرد ذاته، كما قد يتخذ طابع صراع نقابي أو سياسي أو إيديولوجي واضح.
ويمكن تقديم تحليل آخر لظاهرة العنف في التاريخ، هو ذلك الذي يقوم به فرويدحيث يربط العنف بطبيعة الجهاز النفسي للإنسان، الذي يعتبر كائنا عدوانيا وشرسا بطبعه. ولذلك لا يمكن سوى قمع العنف وكبح جماحه دون التمكن من القضاء عليه، ما دام يعاود الظهور حينما يتم إلغاء الزجر في فترات الحرب. وقد عرف مسار العنف تطورا في تاريخ البشرية؛ حيث تم الانتقال من العنف العضلي إلى العنف الذي يستخدم الأدوات، ثم إلى عنف عقلي سيشكل قوى موحدة ضد عنف الأقوى. وهذا ما سيؤدي إلى ظهور مفهوم الحق كقوة جديدة ضد العنف.


الحق والعدالة  


وإذا انتقلنا إلى  درس الحق والعدالة، سنجد أن هناك تداخلات وتقاطعات بين هذين المفهومين تؤدي إلى بؤرة من الإشكالات.
 فما المقصود أولا بالعدالة؟
يدل لفظ العدالة في تداوله العام على احترام حقوق الغير والدفاع عنها، كما يدل على الخضوع والامتثال للقوانين.
وتدل العدالة في معجم لالاند على صفة لما هو عادل، ويستعمل هذا اللفظ في سياق خاص عند الحديث عن الإنصاف Equité)) أو الشرعية légalité)). كما يدل لفظ العدالة تارة على الفضيلة الأخلاقية، وتارة على فعل أو قرار مطابق للتشريعات القضائية. كما يدل اللفظ فلسفيا على ملكة في النفس تمنع الإنسان عن الرذائل، ويقال بأنها التوسط بين الإفراط والتفريط.
هكذا يمكن الحديث عن مستويين في العدالة:
  - مستوى يرتبط بالمؤسسات القانونية والقضائية التي تنظم العلاقات بين الناس في الواقع.
   - ومستوى يرتبط بالعدالة كدلالة أخلاقية، وكمثال أخلاقي كوني يتطلع الجميع لاستلهامه.
أما فيما يخص مفهوم الحق، فيمكن القول بأن له دلالتين رئيسيتين:
  - دلالة في المجال النظري والمنطقي؛ حيث يعني اليقين والصدق والاستدلال السليم.
  - ودلالة في المجال العملي؛ باعتباره قيمة تؤسس للحياة الاجتماعية والممارسة العملية
     للإنسان.
وهذه الدلالة الثانية هي التي تجعله يتقاطع مع مفهوم العدالة.
ويتخذ مفهوما الحق والعدالة أبعادا متعددة؛ طبيعية وأخلاقية وقانونية وسياسية، كما يرتبطا بمجموعة من المفاهيم الأخرى؛ كالطبيعة والثقافة والإنصاف والمساواة. وداخل هذه العلاقات يمكن إثارة مجموعة من الإشكالات من قبيل:
       - الحق بين الطبيعي والثقافي.
       - العلاقة بين الحق والعدالة.
     - العدالة بين الإنصاف والمساواة.

نبدأ بالإشكال الأول:  الحق بين الطبيعي والوضعي.

حينما نتحدث عن الحق الطبيعي، فإننا نتحدث عن مجموع الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان بحكم طبيعته كإنسان. وقد كان رجوع فلاسفة الحق الطبيعي، كهوبز واسبينوزا وروسو، إلى حالة الطبيعة بهدف معرفة الطبيعة الإنسانية وتأسيس المجتمع انطلاقا منها، حتى تكون الحقوق والتشريعات عادلة ومناسبة لأصل الطبيعة الإنسانية، وغير متعارضة معها.
وصحيح أن هؤلاء الفلاسفة اختلفوا في تصورهم لحالة الطبيعة ولأصل الإنسان، إلا أنهم يشتركون في مبدإ أساسي هو جعل الطبيعة المفترضة للإنسان أساسا لكل حقوقه في الحالة المدنية أو الاجتماع. من هنا فللإنسان حسب هذا التصور الطبيعي للحق، حقوق لا يمكن المساس بها، وهي حقوق مطلقة وكونية.
ويمكن معارضة هذا التصور بالتصور الوضعي الذي يرفض تأسيس الحق على أية اعتبارات ميتافيزيقية أو افتراضات عقلية؛ إذ لا وجود لحق غير الحق الوضعي الفعلي الذي يتحدد انطلاقا من اعتبارات واقعية، ومن موازين القوى المتصارعة على أرض الواقع. وهنا يرى هانز كيلسن أن الحق نسبي بنسبية المبادئ التي يرتكز عليها، وأنه لا وجود لحق خارج إطار القانون المتجسد في المؤسسات القضائية والتنفيذية التي تفرضه في الواقع.
 وإذا كان الحق لا يتجسد إلا من خلال القوانين التي وضعت بهدف تحقيق العدالة والإنصاف والمساواة بين الأفراد، فكيف تتحدد علاقة الحق بالعدالة؟ وهل يمكن اعتبار العدالة أساسا للحق؟ وهل هناك وجود للحق خارج إطار القوانين التشريعية والقضائية الممثلة للعدالة؟

العدالة كأساس للحق:

يمكن أن نقدم هنا تصور اسبينوزا الذي يعتبر أن العدالة هي تجسيد للحق وتحقيق له، فلا يوجد حق خارج عدالة قوانين الدولة. فالعدل يتمثل في إعطاء كل ذي حق حقه طبقا للقانون المدني، وأما الظلم فهو سلب شخص ما حقه بمخالفة هذا القانون.
لكن ألا يمكن أن نعتبر أن الحق يسمو على قوانين العدالة وتشريعاتها القضائية، وأن هذه الأخيرة قد تكون جائرة وهاضمة للحقوق المشروعة للأفراد؟
معنى ذلك أنه يجب البحث عن أساس آخر للحق غير العدالة وقوانينها؟
هنا يمكن استدعاء أطروحة شيشرون التي يرى صاحبها أن المؤسسات والقوانين لا يمكن أن تكون أساسا للحق، وانه يجب البحث عن هذا الأساس في الطبيعة الخيرة للإنسان التي تتمثل في الميل إلى حب الناس الذي هو أساس الحق. هكذا يرى ششيرون أنه ” طالما لم يقم الحق على الطبيعة فإن جميع الفضائل ستتلاشى”. ( منار الفلسفة، س2باكلوريا، ص166)
 لكن المشكل الذي تطرحه نظرية شيشرون هو طابعها المثالي؛ إذ أن الناس في الواقع لا تصدر عنهم دائما سلوكات خيرة إما بسبب نزوعاتهم العدوانية كما يرى البعض، أو بسبب الصراع حول المصالح كما يرى البعض الآخر.
وإذا كان الناس متفاوتين في الواقع بسبب الاختلافات الموجودة بينهم في المؤهلات والمزايا والمراتب الاجتماعية وغير ذلك، فهل ينبغي تطبيق العدالة بينهم بالتساوي، بحيث يكون الناس أمامها سواسية، أم يجب إنصاف كل واحد منهم بحسب تميزه عن الآخرين؟ وبتعبير آخر؛ إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع، فهل بإمكانها إنصاف جميع أفراده؟

العدالة بين المساواة والإنصاف:


لمقاربة هذا الإشكال، يمكن تقديم أطروحتين متباينتين؛ الأولى لألان (Alain) [ إميل شارتيي] الذي يرى أنه لا يمكن الحديث عن الحق إلا في إطار المساواة بين الناس. فالقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية. والحق لا يتجسد إلا داخل المساواة باعتبارها ذلك الفعل العادل الذي يعامل الناس بالتساوي بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم. وفي هذا الإطار يقول ألان: ” يسود الحق فقط حين يتساوى طفل صغير يحمل نقوده ناظرا إلى المعروضات بعيون متلهفة، مع الخادمة الأكثر شطارة “. (في رحاب الفلسفة، س2باكلوريا،مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، ص166).
أما الأطروحة الثانية فيقدمها ماكس شيلر، الذي يذهب إلى القول بأن العدالة لا تتمثل في المطالبة بالمساواة؛ لأنها مساواة جائرة ما دامت لا تراعي الفروق بين الأفراد فيما يخص الطبائع والمؤهلات التي يتوفرون عليها. فالعدالة المنصفة هي التي تراعي اختلاف الناس وتمايز طبائعهم ومؤهلاتهم. ومن الظلم أن نطالب بالمساواة المطلقة بين جميع الناس. إن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية وحقد على القيم السامية، ورغبة دفينة في خفض مستوى الأشخاص المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم. 

الامتحان الوطني للبكالوريا 2011؛ الدورة الاستدراكية، مسلك العلوم الإنسانية

الامتحان الوطني الموحد للبكالوريا
الدورة الاستدراكية 2011
مادة الفلسفة


مسلك العلوم الإنسانية
المعامل   4
مدة الإنجاز  3
أكتب في أحد المواضيع الثلاثة الآتية:

الموضوع الأول:
هل يمكن الثقة في البداهة بوصفها معيارا للحقيقة؟
الموضوع الثاني:
” نحن في علاقة غامضة مع الغير نتردد بين التعاطف معه أو الخوف منه. “
لم تكون العلاقة مع الغير غامضة؟
الموضوع الثالث:
” لو كان من السهل السيطرة على الأذهان مثلما يمكن السيطرة على الألسنة، لما وجدت أية حكومة نفسها في خطر، ولما احتاجت أية سلطة لاستعمال العنف، ولعاش كل فرد وفقا لهوى الحكام، ولما أصدر حكما على حق أو باطل، على عدل أو ظلم إلا وفقا لمشيئتهم. ولكن الأمور لا تجري على هذا النحو (…) لأن ذهن الإنسان لا يمكن أن يقع تحت سيطرة أي إنسان آخر؛ إذ لا يمكن أن يخول أحد بإرادته أو رغما عنه إلى أي إنسان حقه الطبيعي أو قدرته على التفكير وعلى الحكم الحر في ك شيء. وعلى ذلك فإن سلطة تدعي أنها تسيطر على الأذهان إنما توصف بالعنف، كما تبدو السيادة الحاكمة ظالمة لرعاياها ومغتصبة لحقوقهم، عندما تحاول أن تفرض على كل منهم ما يتعين عليه قبوله على أنه حق وما يتعين عليه رفضه على أنه باطل .”
حلل النص وناقشه

ملخص مفهوم الحرية

الحرية
تقديم:
يطرح إشكال الحرية في مجال التفكير الفلسفي على عدة مستويات: اجتماعية ونفسية وتاريخية وأخلاقية وسياسية وميتافيزيقية وغيرها. ولذلك نجد هذا الإشكال مبثوثا في مجموعة من الدروس السابقة؛ فهو مطروح في مفهوم الشخص ضمن إشكال الشخص بين الضرورة والحرية، كما نجده في مفهوم التاريخ ضمن إشكال دور الإنسان في صنع التاريخ، ونجده أيضا حاضرا في درس الواجب من خلال إشكال الواجب والإكراه …
ولهذا إذا أردنا معالجة إشكال الحرية وجب استحضار كل هذه الأبعاد والمستويات. وسوف نقتصر في هذا الدرس على تناول إشكال الحرية من خلال بعدين رئيسيين هما: البعد الميتافيزيقي والبعد السياسي. ذلك أن باقي الأبعاد تم تناولها في الدروس السابقة.
والمقصود بالبعد الميتافيزيقي، هو تناول الحرية في علاقتها بالإرادة التي يمتلكها الإنسان، و ذلك بشكل مجرد ودون النظر إلى علاقة هذا الإنسان بالمجتمع والآخرين. هكذا يثير هذا البعد الميتافيزيقي علاقة مفهوم الحرية بمفهومين رئيسيين هما الحتمية والإرادة؛ فهل يمتلك الإنسان إرادة حرة وقدرة على الاختيار أم أنه خاضع لحتميات؟ وهل الحرية هي تجاوز للحتمية أم وعي بها وعمل وفقا لشروطها؟ وما هي إذن حدود الإرادة الحرة لدى الإنسان؟
أما البعد السياسي للحرية، فيتمثل في علاقتها بالقانون. فمنذ أن خرج الإنسان من حالة الطبيعة وهو يتعايش مع غيره من الناس داخل تجمعات بشرية أو دول تحكمها قوانين قضائية أو سياسية أو عرفية… ولهذا يتم التساؤل: هل هناك تعارض بين الحرية والقانون؟ هل الخضوع للقوانين يتنافى مع الحرية؟ وهل يمكن تصور حرية خارج إطار القوانين؟ ومتى تصبح قوانين الدولة منسجمة مع حرية الأفراد؟ ومتى تتعارض معها؟
المحور الأول: الحرية بين الحتمية و الإرادة.
· طرح الإشكال:
يمكن القول، انطلاقا من المعجم الفلسفي لجميل صليبا، بأن « الحرية خاصة الموجود الخالص من القيود، العامل بإرادته أو طبيعته… وإذا كانت الحرية مضادة للحتمية دلت على حرية الاختيار، وهي القول إن فعل الإنسان متولد من إرادته».
هكذا نجد الحرية مضادة للحتمية ومرادفة للإرادة وحرية الاختيار. وهي بذلك تدل على قدرة الكائن على التصرف من غير قيود أو حواجز، أو تدل على قدرته على الاختيار بين الشيء وضده دون تدخل أي عامل قاهر.
أما الحتمية فهي « القول إن كل ظاهرة من ظواهر الطبيعة مقيدة بشروط توجب حدوثها اضطرارا … أو هي القول بوجود علاقات ضرورية ثابتة في الطبيعة توجب أن تكون كل ظاهرة من ظواهرها مشروطة بما يتقدمها أو يصحبها من الظواهر الأخرى ». وفي معناها الفلسفي تعتبر الحتمية « مذهب من يرى أن جميع حوادث العالم، وبخاصة أفعال الإنسان، مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا محكما … ».
انطلاقا من هذه الدلالات يمكن أن تساءل: إذا كانت الظواهر الطبيعية خاضعة لأسباب حتمية، ألا يمكن القول بأن أفعال الإنسان هي الأخرى خاضعة لمثل هذه الحتميات؟ وأين يمكن أن تتجلى هذه الحتميات؟ وإذا كان الإنسان يتميز عن الظواهر الطبيعية باعتباره كائنا واعيا وعاقلا ويمتلك الإرادة، ألا يمكن القول في مثل هذه الحالة أنه يمتلك القدرة على التغلب على تلك الحتميات والتصرف وفق ما يريده ويختاره؟ فهل الحرية إذن هي تجاوز للحتمية أم هي مجرد وعي بها وتصرف وفق ضوابطها وإشراطاتها؟
1- القول بالإرادة الحرة للإنسان:
يحس الإنسان أنه كائن متميز داخل هذا الكون؛ ففي الوقت الذي نجد الحيوانات وأشياء الطبيعة محكومة بحتميات وضرورات طبيعية وغريزية تنتفي معها كل إمكانية لنسبة أية حرية لها، فإننا نجد لدى الإنسان جانبا طبيعيا وغريزيا يشترك فيه مع الموجودات الطبيعية، مما يسمح بالقول أنه خاضع مثلها لحتميات طبيعية، لكننا نجد لديه جانبا آخر يتميز فيه عنها وهو الجانب العقلي والواعي، الذي يسمح بالقول بأن الإنسان يمتلك إرادة وقدرة على الاختيار بين عدة إمكانيات متاحة. ونحن نجد مثل هذه الإرادة الحرة متجلية في تاريخ الإنسان وفي أنماط العيش لديه؛ إذ كيف نفسر التطور والتعدد والتنوع في أنماط العيش لدى الإنسان إذا لم نرجعها إلى تعدد الإرادات والحريات لدى هذا الفرد أو ذاك، أو هذا المجتمع أو ذاك، وهذا بخلاف أنماط العيش الثابتة في العالم الطبيعي والحيواني، والتي تدل طبعا على انتفاء الحرية لدى أشياء الطبيعة والحيوانات بشكل تام.
وبالرغم من وجود حتميات طبيعية وغريزية تشرط الكائن البشري، إلا أنه مع ذلك يمتلك نوعا من الحرية والقدرة على المقاومة والتصرف في تلك الحتميات؛ فهو وإن كان ملزما مثلا أن يأكل بالضرورة، إلا أنه مع ذلك يمتلك الحرية لكي يأكل في أي زمن أو مكان شاء، ويطبخ أنواعا شتى من الأطعمة !! ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لمظاهر العيش الأخرى، من مشرب وملبس وسكن ولغة وإبداعات فنية وفكرية وغيرها.
وفي هذا السياق، ذهب ديكارت إلى أنه قد وجد في نفسه إرادة حرة واسعة وقدرة على الاختيار قوية، مما جعله يحكم انه “على صورة الله ومثاله” !!
والإرادة عند ديكارت تتمثل في قدرة الأنا على فعل الشيء أو عدم فعله، في الإقبال عليه أو الإحجام عنه دون الإحساس بأي ضغط خارجي. إن الشك و الإثبات أو النفي هي أفعال تعبر فعلا عن الإرادة الحرة للذات، التي تمتلك القدرة على الاختيار بين الطرفين المتعارضين. وقد يكون ميلي إلى أحد الطرفين بسبب بداهته بالنسبة لذهني أو بسبب ميل أحدثه الله في فكري. وهذا الميل الطبيعي أو الإلهي لا ينتقصان من حريتي بل يقويانها؛ ذلك أن أحط درجات الحرية هو أن لا أجد في نفسي القدرة على الترجيح أو الاختيار بين الأشياء. كما أن وقوعي في الخطأ هو دليل آخر على حريتي، لأن الخطأناتج عن تجاوز الإرادة لنطاق التصور الذهني؛ أي أن الإرادة قد تطال أشياء لا أحيط بها علما ولا يستطيع إدراكها ذهني، وهو بذلك يخطئ حينما يريد أن يصدر حولها حكما.
وقدرة الإرادة هي قدرة لامتناهية وكاملة في نوعها، إذ أمتلك كل الحرية في أن أريد الشيء أو لا أريده.
هكذا يبدو أن ديكارت تقوقع في نطاق ذاته المفكرة، باعتبارها ذاتا تمتلك الإرادة الحرة على ممارسة أفعال التفكير المختلفة، لكنه لم ينتبه للأسباب والدوافع التي من شأنها أن تتحكم في أفعال التفكير أو تحد منها، سواء تعلق الأمر بالدوافع الغريزية اللاواعية أو الأسباب الطبيعية الخارجية. وهو ما ستؤكد عليه بعض الأطروحات الفلسفية التي ستضع حرية الإنسان في نطاق مجموعة من الحتميات التي لا يمكن تجاوزها.
2- حرية الإنسان مشروطة بحتميات طبيعية:
وفي هذا السياق تندرج الأطروحة الفلسفية لابن رشد، التي يذهب من خلالها إلى أن حرية الإنسان لا تكون ممكنة إلا بمواتاة أو موافقة الأسباب الطبيعية الخارجية، التي تتحكم فيها قوانين حتمية وضعها الله فيها أصلا. وبذلك، فامتلاك الإنسان لإرادة حرة ولقدرة على الاختيار بين الأضداد هو أمر لا شك فيه، لكن ذلك لا يتم بشكل مطلق وفي غياب أي حواجز، بل هو مرتهن عند ابن رشد بسببين رئيسيين؛ يعود أحدهما إلى القوانين الحتمية للطبيعة الخارجية، ويعود الآخر إلى قوانين البدن البيولوجية. وبذلك نجد ابن رشد يقول بنوع من الحرية النسبية التي تتأرجح بين قدرة الإنسان الأصلية على الاختيار من جهة، وبين الحواجز التي تقف أمامها من جهة أخرى، سواء تعلق الأمر بحواجز طبيعة الكون الخارجية أو بطبيعة بدنه الداخلية.
هكذا تكون إرادة الإنسان مرتبطة بأسباب حتمية خارجية، تجعلها تجري على نظام محدود، كأن يعرض أمامنا أمر مشتهى من خارج فنشتهيه بالضرورة من غير اختيار، أو نفاجأ بأمر مهروب عنه من خارج فنضطر للهروب منه.
وفي نفس السياق اعتبر اسبينوزا أن « أي شيء كيفما كان لا بد وأنه محدد بعلة خارجية تتحكم في وجوده وفي فعله». ولذلك فالحرية التي يتفاخر بها البعض هي مجرد وهم ناتج عن الجهل بالأسباب الخفية المتحكمة فينا. فنحن وإن كنا على وعي بأفعالنا، فنحن مع ذلك نجهل الأسباب التي تحركنا بالرغم منا. فميل الطفل إلى ثدي أمه، أو الأفعال التي تصدر عن شاب في حالة الغضب الشديد، أو رغبة الجبان في الهرب، أو الكلام الذي يصدر عن الثرثار أو عن المصاب بالهذيان … كل هذه الأفعال وغيرها يسوقها اسبينوزا لكي يثبت أنه بالرغم من أننا نعتقد أنها نابعة من إرادتنا الحرة، لكنها في واقع الأمر ناتجة عن الإكراه الذي تمارسه علينا دوافع خفية نجهل مصدرها.
وقد ذهب اسبينوزا إلى أن كل كائن يمتلك طبيعة تحتم عليه أن يتصرف في الحدود التي تتيحها له قوانينها. وهذا ينطبق على الإنسان كما ينطبق على الحيوان غير العاقل والنبات … بل على الله أيضا!! ولذلك فحرية الإنسان محكومة بطبيعته ككائن عاقل له رغبات ودوافع غريزية. وما يمكن للكائن البشري فعله هو الوعي بالدوافع والحتميات التي تشرطه، والعمل على تطويقها ومحاولة التحكم فيها وترتيبها وفقا لمقتضيات طبيعته العاقلة.
المحور الثاني: الحرية والقانون.
· طرح الإشكال:
إن معالجة الفلاسفة لإشكال الحرية في بعدها الميتافيزيقي، جعلهم حسب حنا أراندت يخطئون في تناولها تناولا صحيحا وعميقا؛ ذلك أن مشكلة الحرية هي مشكلة سياسية قبل كل شيء، فلا يمكن أن نختبر إحراجاتها ونقف عند رهاناتها على مستوى الفكر الخالص أو في إطار علاقة الذات مع نفسها!! بل لا بد من طرحها في مجالها الأصلي الذي هو مجال التجربة السياسية، كمجال تتجسد من خلاله أفعال الإنسان العملية في علاقته بغيره من الناس. وفي هذا المجال قد يحدث صدام بين حريات الأفراد، مما يحتم وضع قوانين تمكن من تعايش هذه الحريات بشكل منسجم ومتناغم. فكيف يستقيم الحديث عن حرية الفرد في علاقته بالقوانين التي تحكم علاقته بالآخرين؟ هل يمكن للقانون أن يشكل حماية للحرية ويوفر لها فرصة البروز والانتعاش أم أنه قد يشكل خطرا عليها أو على الأقل يضيق من نطاقها؟ كيف إذن يمكن تحديد العلاقة الممكنة بين الحرية والقانون؟ أهي علاقة توافق أم تعارض؟
1- القانون كضامن للحرية ومجسد لها.
حينما خرج الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع، فإنه انتقل بذلك من حالة الحرية الطبيعية المطلقة، والتي أدت إلى الصراع والفوضى والتصادم، إلى الحرية القانونية والسياسية التي تريد أن تتجاوز سلبيات الحرية الأولى وتنتج حرية إنسانية ترتكز على قوانين متعاقد عليها، وتسمح بتعايش الجميع في إطار من الانسجام والاعتراف المتبادل. وقد بين روسو أنه لا وجود لحرية من دون قوانين؛ فحتى في حالة الطبيعة فالإنسان يخضع للقانون الطبيعي، أما في حالة الدولة فإن خضوع الفرد للقانون لا يعني خضوعا لأي أحد،بل هو تعبير حقيقي عن الحرية. ومن هنا يبدو أن الحرية لا تكمن في الخضوع للأهواء أو الانسياق وراء الميولات الحسية، بل هي تكمن في الامتثال للقوانين التي شرعناها لأنفسنا في إطار من التعاقد الاجتماعي الذي يعبر عن الإرادة الحرة للجميع.
وفي نفس السياق، اعتبر بنيامين كونستان أن الحرية « هي الحق في ألا يخضع الفرد إلا للقوانين» التي يتمتع خلالها بحقوقه المشروعة، المتمثلة في التعبير عن رأيه والتمتع بملكيته واختيار عقيدته وإبراز مواهبه ومؤهلاته… والمساهمة في تدبير شؤون الحكم بطريقة من الطرق. وكل هذا يجعل الحرية بمعناها في المجتمعات الحديثة تختلف عن الحرية كما كانت عليه في القديم. كما ذهب مونتسكيو إلى القول بأن « الحرية هي حق فعل كل ما تبيحه القوانين». ولذلك سيفقد الفرد حريته إذا ما تصرف بخلاف القوانين، مادام أنه سيتيح للآخرين إمكانية القيام بنفس الفعل، وبالتالي ستنقلب الحرية إلى فوضى مدمرة. وهذا ما جعل مونتيسكيو ينتهي إلى القول بأن «الحرية تحتاج إلى حدود»، هي حدود القوانين طبعا.
لكن هل قوانين كل الدول، سواء في العصر القديم أو في العصر الحالي، تمكن من تحقيق الحرية؟ ألا يمكن أن نجد بعض الدول تستغل القوانين من أجل هضم حريات الأفراد وتحقيق مصالحها الخاصة؟ في أية حالة إذن يصبح القانون متعارضا مع الحرية؟
2- القانون كأداة لإلغاء الحرية:
لقد تبين إذن أن الحرية بمعناها البشري الحقيقي لا يمكن أن تتم في حالة الطبيعة، بعيدا عن القوانين التي تحكم العلاقات بين أفراد الجماعة البشرية. ولهذا اعتبر فلاسفة العقد الاجتماعي، أمثال هوبز واسبينوزا، أن قوانين الدولة هي المجال الحقيقي الذي يمكن أن تبرز فيه حريات الأفراد وتتعايش، خصوصا أن الحرية الطبيعية قد أفضت إلى ضدها، أي إلى سلب الأقوياء حقوق وحريات الضعفاء. لكن تحقق الحرية في إطار قوانين الدولة، يعني ولا شك أن هذه القوانين ديمقراطية ويساهم الجميع في اختيارها ووضعها. فكل واحد يتنازل عن قسط من حريته لكي يضمن ما تبقى منها. وفي مثل هذه الحالة يحدث انسجام وتعايش إيجابي بين الحريات الفردية، بحيث تنتهي حرية الفرد حينما تبتدئ حرية الآخرين.
لكن ماذا عن القوانين السائدة في الدول الديكتاتورية أو قوانين الطغاة، كما عبر عن ذلك شيشرون قديما؟ ألا يمكن لمثل هده القوانين أن تلغي حرية الأفراد وتمنعها من التحقق؟
إننا بالفعل نعاين أثناء التأمل في التاريخ الطويل للبشرية، أنه طالما تم استعباد الناس والسيطرة عليهم واستغلالهم باسم القوانين، خصوصا حينما لا يشارك الشعب في وضع هذه القوانين أو تفرض عليه عنوة. ولذلك يمكن القول مع شيشرون بأن القوانين لا يمكنها أن تكون دائما مقياسا لحقوق الأفراد وحرياتهم. وهو ما يتطلب ضرورة الحذر منها والعمل على تعديلها وإخضاعها لمراقبة القوانين الأخلاقية المميزة للطبيعة الإنسانية. والقانون الأخلاقي هو قانون كوني غير منحاز، ويمثل إرادة الجميع، ويمكنه أن يمارس الرقابة على القانون السياسي للدول ويجعله يقترب أكثر من تحقيق المثال الأعلى للحرية.
وقد اعتبر المفكر المغربي عبد الله العروي في هذا الإطار، أن الحرية هي عملية تحرير مستمرة وليست حالة قارة ونهائية. فبحسب أوضاع المجتمعات وموازين القوى السائدة فيها، يمكن للحرية أن تمتد أو تتقلص، تزيد أو تنقص. وهذا ما يسمح بإمكانية التقويم والمقارنة بين الدول فيما يخص درجات الحرية التي بلغتها، والتي تعكس طبعا طبيعة القوانين السائدة فيها. وهو ما يدل على أنه بقدر ما يمثل القانون شرطا لتحقق الحرية، فإنه ما قد يلبث أن يضيق ثوبه بها، ويصبح أداة لهضمها وإلغائها، مما يتحتم ضرورة تعديله والرقي به إلى مستوى تحقيق الحرية المنشودة.