samedi 24 mars 2012

إشكال العلاقة مع الغير

إشكال محور العلاقة مع الغير
الواقع أن المحور الثالث من درس الغير هو المحور الذي يثير العديد من الصعوبات من حيث صياغته الإشكالية، إذا ما قارناه مع المحورين السابقين؛ وجود الغير ومعرفته.
إن الأمر يتعلق في هذا المحور بالعلاقة مع الغير؛ فكيف يمكن البحث عن إشكال مقنع نكون قادرين انطلاقا منه على تقديم أطروحات متباينة، متعارضة أو متكاملة، تمنح للإشكال طابع التوتر والمفارقة المطلوبين في أي إشكال حقيقي ؟؟
سوف أقدم اجتهادي لمعالجة هذا الإشكال من خلال نقل تجربتي الفصلية كما حدثت مع تلامذتي.
لقد انطلقت من توجيه أسئلة بيداغوجية للتلاميذ، كأسئلة تلعب دورالوضعية المشكلة وأحاول من خلالها التمهيد لطرح الإشكال وإعطاء مبررات مقنعة بصدده.
قلت للتلاميذ:
- هل يربط الناس علاقات داخل المجتمع.
أجابوا:
- نعم. < وكيف لهم أن يجيبوا: لا ؟؟ >
قلت لهم:
- وهل تتخذ هذه العلاقات نفس النمط أم هي على أنماط مختلفة ؟؟
فكان جوابهم:
- بل تتخذ أنماط وأشكالا مختلفة ؟
فقلت لهم:
- هل يمكن أن تذكروا لي بعض هذه الأنماط السائدة في الواقع ؟
فقال بعضهم:
- الصداقة.
وقال الآخر:
- الأخوة.
وقال البعض الآخر:
- العشق والمحبة.
وقال البعض الآخر:
- العداوة والصراع.
والبعض الآخر:
- المنافسة
والبعض الآخر:
- الإقصاء …الخ.
فقلت لهم:
- إذن هناك دوافع وأسباب معينة تقف وراء هذه الأنواع من العلاقات؟
فقالوا:
- نعم بالتأكيد.
فقلت لهم:
- بالنسبة للصداقة مثلا؛ لماذا نربط علاقة صداقة مع الآخر/الصديق؟
فكانت إجابتهم مختلفة:
فقال بعضهم:
- بسبب تحقيق منفعة أو مصلحة مادية.
وقال البعض الآخر:
- بسبب إشباع ميولات وجدانية وعاطفية.
وقال البعض الآخر:
- بسبب إبراز مواهب وإمكانيات تتوفر عليها الذات.
وقال البعض الآخر:
- بسبب الحصول على ما نفتقده من خصائص يتوفر الغير عليها.
وقال البعض الآخر:
- بسبب الإحساس بقيمة ما تمتلكه الذات، مادام أن هذه القيمة لا تبرز إلا أمام الآخر.
وذكر البعض الآخر: أسباب أخرى تنضاف إلى الأسباب السابقة أو تتقاطع معها.
بعد ذلك، سألتهم:
- ألا ترون معي أن العلاقة مع الغير تتخذ عدة أوجه؛ كالصداقة أو العداوة أو المنافسة أو غيرها.
أجابوا:
- نعم بالتأكيد.
فقلت لهم:
- ألا يمكن القول أن العلاقة مع الغير تنبني على عدة أسس تختلف بحسب نوع كل علاقة؟
أجابوا:
- نعم هذا ما يبدو .
فقلت لهم:
- ألا تثير هذه الأسس التي ترتكز عليها هذه العلاقات الممكنة مع الغير إشكالا ما.
فقال بعضهم:
- ربما.
وقال البعض الآخر:
- نعم.
فقلت لهم:
- ما هو في نظركم هذا الإشكال؟ كيف يمكن صياغته في تساؤلات محددة؟
فقال بعضهم:
- يتمثل الإشكال في: ما هي الأسس التي تقوم عليها العلاقة مع الغير؟
وبمساعدتي توصلنا جميعا إلى إضافة التساؤلات التالية:
إذا كنت في الواقع أربط علاقات مختلفة مع عدة أشخاص، فهل نجد نفس الدافع في كل علاقة؟
لماذا نربط إذن علاقة مع الغير؟
ما الدافع إلى هذه العلاقة؟
على ماذا ترتكز؟
ما هي الأسس التي تنبني عليها؟
تلكم إذن هي التساؤلات التي توصلنا إليها، واعتبرناها مكونة لإشكال المحور الذي نحن بصدده: العلاقة مع الغير.
- بطبيعة الحال فالتساؤل عن دوافع العلاقة مع الغير وأسسها، هو تساؤل يطال العلاقة بوجه عام سواء كانت أخلاقية أو غير أخلاقية؛ تنبني على مبادئ أخلاقية أو على دوافع أخرى فطرية أو وجدانية أو عقلية أو منفعية…الخ ؟؟؟
وإذا كنا لا نستطيع الحكم على إشكال من خلال صياغته وحدها بل أيضا من خلال نمط معالجته (البناء الإشكالي)، فإنني قدمت لتلاميذي شكلا ما لهذا البناء الإشكالي، يتناسب مع التساؤلات التي طرحناها.
هكذا قلت لتلامذتي:
- هل الصداقة شكل رئيسي من أشكال العلاقة مع الغير ؟
فقالوا:
- نعم على ما يبدو.
فقلت لهم:
- سنتخذ إذن من الصداقة كنموذج من هذه العلاقة الممكنة مع الغير، لكي نتساءل: ما هي أسس العلاقة مع الغير من خلال الصداقة ؟ ما هو الأساس الذي تنبني عليه الصداقة كشكل من أشكال العلاقة مع الغير ؟؟
وفي إطار الإجابة سنعرض لموقف أرسطو الذي من خلال الاشتغال على نصه توصلنا إلى ما يلي:
- تنبني العلاقة مع الغير على رغبة فئة من الناس، وهم الأغنياء، في نيل المدح والثناء عن طريق إسداء ملكة الخيرات إلى الآخرين. أي أن الغني هنا - سواء تعلق الأمر بالغنى المادي أو المعنوي - يريد الإحساس بقيمة ما يملك من خلال العلاقة مع الخير الذي تعوزه تلك الخيرات.
- تنبني العلاقة مع الغير أيضا، في حالة الفقر، على الرغبة في التخفيف من العوز والنقص من خلال الآخر؛ أي نوع من تكملة الذات من خلال الآخر.
- تنبني العلاقة أيضا إما على:المنفعة أو المتعة أو الفضيلة الأخلاقية. هكذا فنحن نربط علاقة مع الغير في نظر أرسطو إما لأنه حسن أو ممتع أو نافع.
كما سنعرض لموقف أفلاطون الذي يتحدث عن أساس الصداقة كما يلي:
حاول أفلاطون أن يحدد أساس الصداقة؛ فذهب إلى أنها تقوم على نوع من الشعور بالنقص، وتعبر عن نزوع الأنا إلى الكمال من خلال حاجته الماسة إلى الغير. هكذا فالصداقة في نظره لا تكون بين الطيبين ولا بين الخبيثين، بل بين ما ليس طيبا ولا خبيثا من جهة وبين الطيب من جهة أخرى. فلكي تكون هناك صداقة بين الأنا والغير لا بد أن تكون الذات في حالة من النقص النسبي الذي يجعلها تسعى إلى تحقيق الكمال مع من هو أفضل. ولو هيمن الشر على الذات، فإنها ستكون في حالة نقص مطلق لا تستطيع معه أن تسمو إلى الخير. ولو كانت الذات في حالة خير مطلق لعاشت نوعا من الاكتفاء الذاتي الذي يجعلها لا تحتاج إلى الصديق. فأساس الصداقة هو الرغبة في تحقيق سمو الذات وكمالها من خلال الغير.
بعد ذلك سنعرض لموقف هيجل الذي سيؤسس العلاقة مع الغير على الصراع والرغبة في نزع الاعتراف من الآخر وتحقيق الذات من خلاله …
كما يمكن قبل التطرق إلى موقف هيجل الإشارة إلى موقف كريستيفا من الغريب الذي يسكننا على نحو غريب… في محاولة منها لتأسيس العلاقة مع الغير على المحبة والاعتراف المتبادل بدل الكراهية والنبذ والإقصاء.
هذا هو اجتهادي في إنجاز هذا المحور، وهو اجتهاد قابل للمراجعة والتطوير بشكل دائم.
دمتم محبين للحكمة وعشاقا للحقيقة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire