samedi 24 mars 2012

التقاطع بين مفاهيم المجزوءات

التقاطع بين مفاهيم ومحاور مجزوءات السنة الثانية باكلوريا


إن هناك دافعا أساسيا حفزنا على البحث في مسألة التقاطع الحاصل بين محاور مجزوءات السنة الثانية باكلوريا، وبالتالي إشكالاتها، ويتمثل في أن صيغ التقويم الخاصة بهذا المستوى تستدعي من التلميذ أحيانا معالجة موضوع اختباري تتداخل فيه إشكالات ومفاهيم تنتمي إلى دروس مختلفة، سواء داخل نفس المجزوءة أو في إطار مجزوءتين أو أكثر.
 وإذا كان التلميذ حتما سيجد نفسه داخل وضعيات اختبارية مماثلة لما حددناه، فإنه يتوجب عليه أن يكون لديه وعي مسبق بالتداخل والتقاطع الحاصل بين المجزوءات والمفاهيم والمحاور المدروسة. وهذا الوعي سيخلقه لديه ولا شك المدرس، لأنه هو الأكثر وعيا ودراية بتلك التقاطعات. ولن يمكنه تحقيق ذلك سوى داخل الممارسة الفصلية، سواء من خلال إنجازه للدرس أو أثناء التمارين التي تستهدف تدريب التلاميذ على الكتابة الإنشائية، أو من خلال أشكال التقويم المختلفة بما فيها الفروض المحروسة.
انطلاقا من هذه المسؤولية المنوطة بمدرس الفلسفة من أجل تنبيه التلاميذ إلى التقاطعات الحاصلة بين مفاهيم وإشكالات المجزوءات، من أجل الوقوف عندها في مواضيع الفروض والامتحان الوطني وحسن التعامل معها، يندرج هذا العرض الذي سنسعى من خلاله إلى تحديد بعض تلك التقاطعات دون أن نزعم أننا قد أحطنا بها.

إن المتأمل في المجزوءات الأربع للسنة الثانية باكلوريا، يتبين له بالجلي الواضح أنه يمكن إدراجها جميعها تحت مفهوم أساسي هو مفهوم الإنسان. هكذا فمجزوءة الوضع البشري تتناول الإنسان كشخص؛ فتتساءل عن مقومات هويته وقيمته ومدى قدرته على بناء ذاته انطلاقا من إرادته الحرة، كما تتناول علاقته بالغير، أي الآخر البشري، سواء على المستوى الأنطلوجي أو الإبيستملوجي أو الأكسيولوجي، ثم إن هذه المجزوءة تتناول الإنسان أيضا في بعده التاريخي.
 أما مجزوءة المعرفة فتطرح إشكالات تتعلق بالإنسان ككائن عاقل ومنتج للمعرفة، سواء تعلق الأمر بالمعرفة في حقل التفكير الفلسفي أو في الحقل العلمي. وهنا يتم التساؤل بشكل أساسي حول مصادر المعرفة البشرية والطرق المؤدية إلى بلوغ الحقيقة. كما يتم التساؤل عن المعايير الكفيلة بأن تجعلنا نميز بين الحقيقة والرأي، بين النظرية الصحيحة وتلك التي يعتريها الخطأ، فضلا عن التساؤل حول وظيفة المعرفة وقيمتها بالنسبة لمن يعتنقها.
 أما المجزوءتان المتبقيتان فإنهما تتناولان الإنسان كحيوان سياسي من جهة، وككائن أخلاقي من جهة أخرى. إنهما تتناولان الإنسان في بعده العملي، ككائن ينشئ الدول ويشرع لنفسه قوانين سياسية من جهة، ومبادئ أخلاقية من جهة أخرى، من أجل تنظيم حياته والسمو بها فوق مملكة الحيوانات.
 فمجزوءة السياسة تتناول الإشكالية المتعلقة بمشروعية الدولة والغاية من وجودها، وكيفية ممارسة السلطة فيها. كما تطرح للنقاش حدود ومشروعية استخدام الدولة للعنف، وأشكال ومظاهر هذا العنف في تاريخ الإنسان. وإذا كان يفترض في الدولة أنها تسعى إلى تحقيق العدالة وضمان الحقوق المشروعة للناس، فإنه يتم التساؤل هنا عن أساس الحق وعلاقته بالعدالة، كما يتم إثارة الحديث عن الأنماط الممكنة للعدالة، وعن أي منها يحقق النظام العادل والمنصف للجميع.
 أما إذا تأملنا في مجزوءة الأخلاق، فإننا نجد أنه يتم فيها تناول علاقة الواجب الأخلاقي بحرية الإنسان وسعادته؛ فيتم التساؤل بشكل أساسي عن أساس الوعي الأخلاقي ومصادره من جهة، والتساؤل عن مسؤولية الإنسان وحريته تجاه واجباته الأخلاقية والاجتماعية من جهة أخرى,
 وإذا أردنا الآن إيجاد تقاطعات إشكالية بين مختلف المفاهيم، سواء داخل نفس المجزوءة أو في مختلف المجزوءات، فإنه يمكن الحديث عن تقاطعات بخصوص الإشكالات التالية:

  1- إشكالية الحرية: وهي إشكالية تحضر في المفاهيم التالية:
       - مفهوم الشخص: المحور الثالث؛ الشخص بين الضرورة والحرية.
       - مفهوم التاريخ: المحور الثالث؛ دور الإنسان في التاريخ.
       - مفهوم الواجب: المحور الأول؛ الواجب والإكراه.
       - مفهوم السعادة: المحور الثالث؛ السعادة والواجب.
       - مفهوم الحرية: في جميع محاور الدرس.
هكذا فإشكالية الحرية تحضر بشكل أساسي في مجزوءتين، هما مجزوءة الوضع البشري ومجزوءة الأخلاق. وهو ما يتبين معه أن لإشكالية الحرية أبعادا مختلفة؛ أخلاقية وتاريخية وميتافيزيقية وأنطلوجية. فوضع الإنسان يتأرجح بين الإكراه والحرية، بين الجبر والاختيار، سواء في بنائه لذاته أو صنعه لتاريخه أو في سلوكاته تجاه الآخرين وتجاه واجباته ومسؤولياته الأخلاقية والاجتماعية والتاريخية والقانونية.
  2- إشكالية التمييز بين المعرفة التلقائية العامية والمعرفة العقلية سواء
      كانت فلسفية أو علمية.
وهذه الإشكالية تحضر في مفهومين هما: مفهوم الحقيقة و مفهوم النظرية في علاقتها بالتجربة؛ حيث أن المحور الأول من درس الحقيقة يتناول الاختلاف القائم بين الرأي والحقيقة، في حين يتناول المحور الأول من درس النظرية والتجربة الفرق بين التجربة التي تشمل التجارب الحياتية المختلفة ( العاطفية والدينية والسياسية…) وليس فقط التجربة العلمية، والتجريب الذي لا نتحدث عنه إلا داخل الممارسة العلمية بمعناها الضيق.
  3- إشكالية معايير المعرفة البشرية:
وتحضر هذه الإشكالية في المحور الثالث من مفهوم النظرية والتجربة حيث يتم التساؤل عن معايير علمية النظريات العلمية، كما تحضر في المحور الثاني من مفهوم الحقيقة حيث يتم التساؤل حول معايير الحقيقة بمعناها الفلسفي الواسع.
  4- هناك تقاطع أيضا في مجزوءة السياسة بين مفهومي الدولة والعنف؛ حيث نجد في المحور الثالث من درس الدولة حضور إشكال الدولة بين الحق والعنف، وهو نفس الإشكال الذي يحضر في المحور الثالث من درس العنف؛ إذ أن الأمر يتعلق هنا بالتساؤل عن مدى مشروعية العنف في ممارسة الدولة لسلطتها السياسية.
  5- وفي نفس مجزوءة السياسة نجد تقاطعا بين المحور الثاني من درس الدولة والمحور الثاني والثالث من درس الحق والعدالة، والتقاطع يتعلق هنا بالتساؤل عن طبيعة السلطة السياسية وأساس نظام الدولة الذي من شأنه أن يحقق العدالة المتوخاة.
  6- كما يمكن الربط بين مفهومي الشخص والغير؛ حيث أن الحديث عن هوية الشخص وقيمته لن يستقيم إلا في إطار العلاقة مع الغير وأشكال الانفتاح على وجوده في أبعاده المختلفة.
  7- ويمكن الحديث عن تقاطع مماثل بين المحور الثاني من درس الغير، والمتعلق بمعرفة الغير، والمحور الأول من درس التاريخ، والمتعلق بالمعرفة التاريخية؛ ذلك أن معرفة ماضي الإنسان وتاريخه هي معرفة ليست كنمط معرفة الأشياء بل هي معرفة بالآخر البشري، معرفة بذاته وهي تتمظهر على مستوى الأحداث والإنجازات التاريخية.
ولذلك فنفس الصعوبات نصادفها حينما نحاول معرفة الغير سواء كان فردا أو جماعة، أو حينما نحاول تحقيق معرفة بالماضي التاريخي، سواء تعلق الأمر بالتاريخ المنسوب إلى الأنا/النحن أو المنسوب إلى الآخر المختلف حضاريا.
  8- ويمكن أن نعثر أيضا على خيوط ناظمة بين الإشكال الثاوي في مفهوم التاريخ، والذي يخص الغاية التي يرسمها الإنسان للسيرورة التاريخية، من خلال مناقشة فكرة التقدم في التاريخ، وبين الإشكال الكامن في مفهوم الدولة، والذي يتعلق بالغاية من وجود أنظمتها.
ويتجلى هذا التقاطع بين الإشكالين في أن صنع التاريخ والدفع بعجلته نحو تحقيق غايات بشرية محددة، لا يكون ممكنا إلا بإنشاء الدول وتشريع القوانين والعمل على مراجعتها والدفع بها نحو تحقيق الغايات الإنسانية المنشودة.
  9- هناك أيضا إشكال حاضر في مجموعة من الدروس، وهو المتعلق بأساس المعرفة أو مصادرها أو سبل تحقيقها؛ سواء تعلق الأمر بسبل معرفة الغير حيث نتحدث غالبا عن معرفة استدلالية وأخرى حدسية، أو معرفة تاريخ البشرية حيث يتم الحديث عن المناهج الممكن اعتمادها لمعرفة الماضي، أو تعلق الأمر بمصادر الحقيقة ومناهجها وطرق البحث عنها وإنتاجها، سواء تعلق الأمر بمصادر الحقيقة بمعناها الفلسفي العام آو تعلق الأمر بالحقيقة أو النظرية في مجال العلوم الدقيقة أو الإنسانية؛ حيث يتم الحديث في الأولى عن التجربة والعقل كمنهجين لتأسيسها، ويتم الحديث في الثانية عن الفهم والتفسير كمنهجين لفهم الظاهرة الإنسانية وإنتاج معرفة صحيحة بصددها.
  10- كما يمكن أن نربط بين مسألة العلاقة مع الغير وفكرة الواجب الأخلاقي؛ إذ أن التساؤل عن أساس العلاقة مع الغير، سواء كان هذا الغير صديقا أو غريبا، هو تساؤل يثير نقاشا حول البعد الأخلاقي في هذه العلاقة، إذ الرهان هو جعل هذه العلاقة تنأى عن العداوة والإقصاء والكراهية وتتأسس على التآخي والتسامح والاعتراف المتبادل.
  11- ويمكن الإشارة أخيرا إلى أن هناك تقاطعات موجودة بشكل واضح بين إشكالات المحاور داخل كل درس على حدة،وهي مسألة لا تحتاج منا مزيدا من التوضيح؛ إذ نجد مثلا أن الحديث عن قيمة الشخص لا ينفصل عن الحديث عن هويته أو حريته، كما أن معرفة الغير ترتبط بطبيعة العلاقة معه، والحديث عن معايير الحقيقة يرتبط بالحديث عن قيمتها وعلاقتها بالرأي، كما أن معالجة إشكال مشروعية الدولة وغاياتها مرتبط بإشكال طبيعة سلطتها السياسية. وقل الشيء نفسه بالنسبة للتقاطعات الحاصلة بين محاور الدروس الأخرى.

وأملنا هو أن يستوعب التلميذ هذه التقاطعات بين المفاهيم والإشكالات استيعابا حقيقيا، حتى يتمكن من تجسيدها على مستوى الكتابة الإنشائية التي تستدعي التعامل مع مواضيع تعالج إشكالات مركبة تتعلق بأكثر من محور أو مفهوم، سواء داخل المجزوءة الواحدة أو بين مجزوءتين أو أكثر. 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire